الأم أولى الناس بالحضانة

الحضانة حق للطفل المحضون، وعمادها ما فيه صلاح المحضون، قررها الشرع المطهر مراعاة لمصلحة الطفل المحضون، والأولى بها من يستطيع القيام برعاية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة. والأصل في الحضانة أنها للأم، فهي الأقدر والأجدر على رعاية أبناءها، وهذا ما عليه القضاء في المملكة، ولا يستطيع غيرها – ولا حتى الأب – منافستها في ذلك، فلا يوجد أحن ولا أرحم بالأبناء من أمهم.
والحضانة ليست حق للحاضن يقرره من تلقاء نفسه، بل إن القضاء وحده هو الجهة المنوط بها تحديد مصلحة المحضون بعد فراق الأبوين، وتقرير من هو الأولى برعايته منهما أو من سواهما. فلا يحق لأيٍ من الأبوين (أو ذويهما) أن يقرر وفق هواه مصلحة الأبناء، وبالتالي الاستئثار والانفراد بالحضانة لنفسه، وحرمان الطرف الآخر(غالباً ما تكون الأم المسكينة) منها دون حكم قضائي.
والحضانة عامة – وحضانة الأم خاصة وهي الأصل– لا تسقط إلا بوجود مانع لها: كالجنون، أو العجز البدني، أو المرض المزمن أو المعدي، أو الفسوق، أو سوء المعاملة. وتوفر أحد هذه العوامل لا يقرره إلا القضاء، وبالتالي لا تسقط حضانة الأم إلا بحكم قضائي نهائي واجب النفاذ.
وبعد صدور حكم قضائي بالحضانة لغير الأم، فالغالب أن يقرر الحكم أياماً معلومات يزور الأبناء خلالها أمهم، ويبيتون عندها ويقضون معها بعض الوقت، حفاظاً على مصلحة الأبناء واستقرارهم النفسي والعاطفي من جهة، ومراعاة للأم حتى لا ينكسر قلبها بالبعد عن أبناءها.
إلا أنه لا يحق للأب -ولا لغيره- مطلقاً أن يحرم الأم من رؤية أبناءها، أو الاتصال بهم، ولو افترضنا جدلاً أن القضاء منع الأم الحضانة لتوفر أعظم مانع من موانع الحضانة، فحق الأم في رؤية أبناءها وقضاء بعض الوقت معهم حق شرعي ثابت لها، لا يجوز للأب حرمانها منه، وإن فعل فهو ظالم يُخشى عليه من دعوة الأم المظلومة فليس بينها وبين الله حجاب.
وهذه الأيام نرى -للأسف- صوراً عجيبة من تجبر بعض الأباء على الأمهات بعد الفرقة، واتخاذ الأبناء (حلبة مصارعة) ووسيلة لقهر الأم، وتصفية حسابات قديمة معها، لا دخل للأبناء بها، وهذا ظلم عظيم وجرم فادح يستحق فاعله أشد العقاب في الدنيا من الحاكم الشرعي، وهو عرضة -بلا شك- لعقاب شديد من الله في الدنيا ثم الأخرة، وليحذر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من فرَّق بين والدةٍ وولدها فرَّقَ الله بينه وبين الأحِبةِ يومَ القيامَة) رواه الترمذي.

Comments

Popular posts from this blog

ميراث زوجة الأب

الحماية القانونية للتصاميم

تمييز الابن العامل عن إخوته