الحساب أدق من الرؤية


لا يخفى على من لديهم علم شرعي صحيح ومن لديهم خلفية ولو ضئيلة بعلم الفلك والفضاء أهمية اعتماد الحساب الفلكي لتحديد بدايات الشهور الهجرية. فالرؤية لا يمكن الاعتماد عليها بمعزل عن الحساب الفلكي لأن الرؤية من الناحية الشرعية ظنية أما الحساب الفلكي فهو قطعي ونسبة الخطأ فيه تكاد تكون معدومة. مع ذلك يصر البعض على تجاهل الحساب الفلكي والحكم بعدم شرعيته كبراً وجهلاً وعلى إدخال الشهور حتى وإن لم يكن هناك هلال في الأفق.
وسند من يعتمد على الرؤية فقط هو أخذهم بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: "نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب الشهر هكذا و هكذا..." أو كما قال عليه الصلاة والسلام. إن العلة عند أهل أصول الفقه في أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم- بأن يعتمد المسلمون في بداية شهر الصوم ونهايته على رؤية الهلال بالبصر، هي كون الأمة الإسلامية في عصر الوحي أمية لا تقرأ ولا تحسب، وهذا يدل بمفهومه على أنه لو توافرت المعرفة لدى الأمة بعلم الفلك المحكم الذي أقامه الله تعالى بصورة لا تختل، وأصبح هذا العلم يوصلنا إلى معرفة يقينية بمواعيد ميلاد الهلال في كل شهر وفي أي وقت، لوجب علينا الأخذ بذلك وتقديمه على الرؤية.  قال ابن كثير في تفسير َقَوْله تَعَالَى "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ": يَجْرِيَانِ مُتَعَاقِبَيْنِ بِحِسَابٍ مُقَنَّنٍ لا يَخْتَلِف وَلا يَضْطَرِب.
 وقد ذهب بعض العلماء إلى أن كل دعوى رؤية تخالف الحساب هي دعوى مرفوضة يكذب صاحبها شأنها شأن الشهادة بما يخالف الواقع. أما دار الإفتاء المصرية، فإن موقفها الثابت هو أن الرؤية البصرية هي الأساس لثبوت دخول الشهور القمرية ونهايتها، وأن الحساب الفلكي يكون دليلاً عليها لا بديل لها وأن كل دعوى رؤية تخالف الحساب هي دعوى مرفوضة.
أما كون التقويم لا يتفق مع الرؤية الشرعية لا يطعن في صحة التقويم بل العكس هو الصحيح، فإذا خالفت الرؤية التقويم فالعبرة في رأي بالتقويم لأنه مبني على علم يقيني وليس على ظن كما هو حال الرؤية وظن لا يغني من الحق شيئاً.
وليس صحيحاً أنه لا يمكن المقارنة بين مدارك الشمس ومنازل القمر على الإطلاق، فمدارك الشمس ومنازل القمر يربطهم رابط مشترك وهو تحددهما بذات الوسيلة وهي الحساب الفلكي. فمغيب الشمس والشفق الأحمر واستبيان الخيط الأسود من الأبيض كل ذلك يحدد كما هو الحال بالنسبة المنازل القمر بالحساب.
 أما بالنسبة لما ذكرت بأنه لا يمكن القطع بأن هلال شهر كذا سيكون في منزل كذا بسب دورانه حول الأرض ودوران غيره مما يؤدي إلى مخالفة كثير من التوقعات..الخ. فأود أن أوضح بأن هذا الكلام قد يكون صحيحاً نوعاً ما في العصور الوسطى أما اليوم فهناك أجهزة الحاسب الآلي(Super Computer)  التي تستطيع تحديد مواعيد ولادة هلال كل شهر ووقت الاقتران ولعشرات السنين بدقة متناهية جداً وبالميل ثانية، بالإضافة إلى قدرتها على تحديد موقع الهلال في الأفق عند ولادته وتحديد توقيت شروقه وغروبه ومواعيد الكسوف والخسوف. فالأمر لم يعد علم فلك بشكله القديم الذي يعتمد على الحساب الفردي بل أصبح لدينا علم فضاء وحاسبات آلية ضخمة الأمر الذي مكن غيرنا من الهبوط على سطح القمر، ومن رصد كواكب ومجرات تبعد عنا ملايين السنين الضوئية ومعرفة وقت وجودها في الأفق بدقة متناهية، ونحن ما زلنا وللأسف الشديد نشكك في العلم الحديث ونصفه بأنه توقعات.
أما بالنسبة للكلام حول حجم الهلال، فصحيح أن حجم الهلال بعد مغرب أول يوم من الشهر قد يكون كبيراً مما يعتقد معه العامة بأن الشهر قد دخل خطئاً، وأود أن أوضح بأن السبب العلمي لذلك هو ولادة هلال الشهر في نهار اليوم التاسع والعشرين من الشهر وغروبه قبل غروب شمس ذلك اليوم وبالتالي فإن اليوم التالي يكون المكمل للشهر (الثلاثون) ويكون عمر الهلال عند رؤيته في مساء اليوم الأول من الشهر الجديد يومان وبالتالي يكون حجمه كبيرا ً بعض الشيء.

Comments

Popular posts from this blog

ميراث زوجة الأب

الحماية القانونية للتصاميم

تمييز الابن العامل عن إخوته