كان الله في عون قضاتنا



كان الله في عون أصحاب الفضيلة القضاة في محاكمنا، فالقاضي الواحد منهم ينظر عشرات القضايا في الأسبوع الواحد، هذا بالإضافة إلى الأعمال الإدارية الموكلة إليهم. بينما نجد القاضي في بعض الدول لا ينظر في الأسبوع إلا في قضايا قد لا يتجاوز عددها أصابع اليدين. ولعل ما يزيد العبء على القضاة ويهدر وقتهم قلة ثقافة المجتمع القضائية، فكثير من أصحاب القضايا لا يعرف أين ولا كيف يقدم دعواه القضائية، وإن عرف فهو في الغالب لا يعرف حقوقه التي كفلها الشرع الحنيف ونصت عليها الأنظمة المرعية.
وكلنا قرأنا في الصحف عن الحكم الذي صدر بحق مراهق في السابعة عشر بالسجن والتغريب لمدة عام كامل بعيداً عن أسرته في وقت هو في أمس الحاجة إلى من يرعاه ويأخذ بيده وينير له طريقه في سنه الحرجة جداً وفي زمن يعج المغريات.
ولست هنا في صدد توجيه النقد إلى الحكم القضائي الذي صدر نتيجة لإقرار الفتى بفعلته- إن كان فعلها حقاً- ولعل الحكم القضائي ما كان ليصدر لو كان الفتي يعرف ما قد يترتب على إقراره، لكني أشفق على الفتي الذي لم يكن معه من يبين له حقوقه وتبعات أقواله وإقراره، وفوق ذلك تبعات قناعته بالحكم التي أسقطت حقه النظامي في استئناف الحكم!
وهذا الحكم يقودنا إلى مسألة مهمة جداً ألا وهي ضرورة استعانة المتقاضين بالمحامين المرخصين من وزارة العدل فقط، وبالذات في القضايا المهمة (مثل قضية الفتي سالفة الذكر). إن غير المختص في المحاماة –وإن حفظ القوانين عن ظهر قلب وأجاد الحديث- لا يستطيع في الغالب أن يترافع بالشكل السليم، بل قد تؤدي تصرفاته وردود أفعاله في أغلب الأحيان إلى تعقيد القضية وإخراجها عن مسارها.
وقد يلجأ غير المتخصصين - والذين يطلقون على أنفسهم لقب "محامي" زوراً وعدواناً- إلى الصياح وترك موضوع القضية والخوض في مسائل هامشية لا تفيد القضية، بالإضافة إلى ما قد يصدر عن البعض من تطاول على الخصم. كما أن هؤلاء -لانعدام الحرفية  لديهم- يمطروا المحكمة بوابل من أوراق ومستندات لا تسمن ولا تغني من جوع مما يؤدي إلى تشعب القضية وطول أمد نظرها وبالتالي الإضرار بأصحاب القضايا.
ولقد تنبهت الدول المتقدمة إلى أهمية دور المحامي كمساعد ومعاون للقضاء – بعكس ما قد يعتقده البعض-، فلا يمكن أن تتم محاكمة أي شخص في تلك الدول من دون أن يكون له محام يمثله في الترافع عنه، ومن دون أن يتحمل ذلك الشخص أية مصاريف إن لم يكن قادرا على دفع أتعاب المحامي. وذلك إيماناً من تلك الدول بأن دور المحامي ضروري جداً لتوضيح الدعوى وموضوعها وملابساتها بشكل سليم، وتقديم البينات بالشكل الذي يسهل على القاضي استيعاب طبيعة الدعوى وبالتالي إصدار الحكم الملائم فيها، ولهذا يطلق على المحاماة مصطلح "القضاء الواقف".

Comments

Popular posts from this blog

ميراث زوجة الأب

الحماية القانونية للتصاميم

تمييز الابن العامل عن إخوته