الوكالات التجارية ومنظمة التجارة العالمية


منذ أن بدأت المملكة مفاوضاتها للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) أبدى العديد من أصحاب الأعمال (كما يفضل الشيخ صالح التركي مناداتهم) تخوفهم من انضمام المملكة للمنظمة العالمية وذلك بسبب فكرة خاطئة تماماً تم نشرها وتداولها في الصحف المحلية من غير المتخصصين أو المؤهلين للخوض في غمار هذه المنظمة التي تحتوي قوانينها على مئات الفقرات والضوابط والتنظيمات والتي تستعصي في بعض الأحيان حتى على المختصين. وفحوى تلك الفكرة الخاطئة أن انضمام المملكة للمنظمة سيؤدي إلى إزالة جميع التعرفات الجمركية بشكل تام وسيؤدى حتماً إلى فتح أسواق المملكة بشكل غير محدود أمام الشركات الأجنبية التي سيسمح لها بدخول السوق السعودي في جميع القطاعات كما يحلو لها، وأن تلك الشركات الأجنبية ستهجم على السوق مما سيؤدي إلى خروج معظم الشركات والمؤسسات العاملة فيه لعدم قدرتها على المنافسة. ولعل أكثر فئة أصابها نوع من الهلع كانت فئة التجار والوكلاء والموزعون التجاريون الذين اعتقد الكثير منهم أن الشركات الأجنبية ستأتي بنفسها إلى السوق السعودي وتقيم منافذ البيع الخاصة بها ولن تكون في حاجة لتاجر أو وكيل تجاري يستورد بضاعتها ليبيعها في السوق المحلي.
وأود أن أوضح أن جميع تلك الأفكار ليس لها أساس ولا تعدو كونها مخاوف طرحت من البعض وانتشرت وضخمت وأصبحت معتقد سائد عند الكثيرين. إن تلك الأفكار غير صحيحة لعدة أسباب منها ما هو قانوني وآخر تجاري بحت يعود لتلك الشركات الأجنبية.
ويتمثل السبب القانوني في أن منظمة التجارة العالمية تهدف إلى تحرير التجارة الدولية وفتح الأسواق أمامها، والعمل قدر الإمكان على إزالة القيود التي تعيق التجارة الدولية، وحظر جميع الإجراءات التي قد تتخذها بعض الدول بهدف إعاقة تدفق السلع أو الخدمات منها أو إليها. ولا تهدف هذه المنظمة بشكل رئيسي- كما قد يتصور البعض- إلي إلغاء تلك القيود تماماً وإنما تهدف إلى تخفيضها إلى المستوى الذي لا يشكل عائقاً للتجارة. وبالتالي فالقيود ستكون موجودة ولكن بدرجة أقل الأمر الذي سيؤدى إلى فتح الأسواق ولكن بصورة مقننة.
فالمملكة حصلت على العديد من الاستثناءات من قواعد المنظمة مثل عدم السماح للمستثمر الأجنبي ممارسة نشاط الوكالات التجارية. ولقد نص جدول التزامات المملكة في قطاع الخدمات تحت بند "خدمات التوزيع" على ضوابط مشددة لممارسة المستثمر الأجنبي لنشاط تجارة الجملة والتجزئة مثل أن لا تزيد مساهمة المستثمر الأجنبي في رأس المال عن 51% فور الانضمام المملكة للمنظمة وأن لا تزيد عن 75% بعد مرور ثلاث سنوات من تاريخ الانضمام، وهذا الشرط يعني وجوب وجود شريك سعودي للمستثمر الأجنبي. شرط أخر هو أن لا يقل رأس المال الأجنبي المستثمر عن عشرين مليون ريال، وأن لا يزيد عدد مراكز التوزيع عن مركز واحد فقط في كل منطقة.
أما بالنسبة إلى الأسباب الأخرى التي تجعل فكرة انقضاض الشركات الأجنبية على السوق المحلي فكرة غير مقبولة فأهمها وجود أسواق إقليمية أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية من حيث المزايا التي تمنح للمستثمر الأجنبي. بالإضافة إلى سرعة وسهولة ووضوح الإجراءات في الدوائر الحكومية هناك، فتأسيس الشركة ذات المسؤولية المحدودة في إحدى الدول المجاورة مثلاً يتم خلال 48 ساعة بينما يستغرق تأسيس الشركة ذات المسؤولية المحدودة في المملكة حوالي 25 يوماً (ولا يعود السبب في طول المدة إلى المحامين كما يدعي بعض المسؤولين). 

Comments

Popular posts from this blog

ميراث زوجة الأب

الحماية القانونية للتصاميم

تمييز الابن العامل عن إخوته